حسين نهابة مواسم ملونة - الناقد العراقي حمدي مخلف الحديثي
اولاً
نحن, ابناء هذا الزمن, زمن العولمة الذي نعيش فيه, ولا يمكن الانسلاخ عنه، أو الابتعاد عن الاحساس به كونه متورط في محاولة إقصاء الاستماع الشعري, او القراءاتي.
هو زمن وسائل الاتصالات الفضائية, والأنترنت ومجموعات الشركات الصناعية والتجارية الكبرى ومافيها من موفيات متصارعة من اجل كسب المال المشروع أو غير المشروع.
هو زمن ماكنة العولمة الحربية وزمن تتضارب الانظمة السياسية, (ديموقراطية, دكتاتورية, اشتراكية...الخ)
زمن صعب, وان يكون فيه الشاعر والشعر بحالة مستقرة بعيدة عن القلق والخوف.
والسؤال "ما الذي يستطيع العالم لانقاذ الشعر حتى ينقذ اللغة، والخروج من هيمنة العولمة؟"
"انه السؤال الذي ينقل القناء من الشعر الى العالم ويحاكم العالم: قلبُ السؤال يفيد ان وجهة نظر عالمنا في الشعر, بما هو مضاد للمنفعة والمصلحة مجبرةً على الشك في مسلمتها التي تدافع بها عن اقصاء الشعر من مدينة الكرة الارضية, نفياً والغاءً بالمسلمة نفسها تنفي العولمة اللغة, تنفي نوع وشكل نظرنا الى العالم فيما هي تجعل من الحبسة قبرنا الجماعي"(1)
وشعرنا العراقي اليوم, استقبل العولمة وما فيها كشيء متطور, مثله مثل تطور الكثير من الامور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنلوجيا...الخ.
وهذا الاستقبال لم يتأثر به الشعر العراقي الصادق الممتلئ بالفكر والفنية بل ظل هذا الشعر منتهياً الى جذوره الشعرية التي بدأت تمسكها بأرض الشعر منذ الشعر الجاهلي, لا بل منذ الشعر العراقي السومري القديم وغيره بقى بمفردات لغته الجميلة رافضاً مفردات العولمة وثقافة الغرب الحديثة التي لازمت العولمة.
وهذا الرفض حرر الشاعر المبدع (حسين نهابة) من عبودية العولمة فأصبحت قصيدته ذات تفاعل ومعرفة, وهنا تكمن قيمة قصيدة هذا الشاعر التي اعطته الهوية الشعرية الخاصة.
**********
"القصيدة تواصل الطريق باحثة عن قبيلة الغرباء حتى تنتسب للمنفتح قبيلة الضيافة, تلك هي شجرة النسب الشعري التي لا تنحصر في لغة ولا في عهد.
حاضر القصيدة هو ديمومة الايدي فيها, وشجرة نسبها هو تفتيت التوجهات الخضعة (بكل عنجهية) لا يدويو لوجبات الهوية والمنفعة والامتياز.
على هذا النحو تستقبل القصيدة الآخر وهي في طريقها, فتوجهه نحو نار صفائها الشخصي التي تعشقها، وطنُ العقيدة على الدوام وطن آخر متعدد قادم من المستقبل واذا كانت (الانا هي آخر) كما كتب رامبو فإن استقبال الآخر بسعادة, هو ابجدية اخلاقيات العقيدة الحديثة على ان هذه الطريق لا تسمح لها ابدا باستقبال الغريب يوثق من لا يتوقع المخاطر ,من لا يقبل بالتعرض للحادثة.(2)
وان ضيافة الآخر عند حسين نهابة هو وعد قصيدته الحديثة الروح في زمن –ما بعد الجيل الستيني بأعوام– ضاعت روح القصيدة عند الكثير من الشعراء خصوصا في قصائد النثر واصبحت الشعرية عند هؤلاء مجرد قطعة من اسمال.
القصيدة عند شاعرنا "كلام يديم الكلام" لأنه اعطى للغة الصفاء.
**********
ثانياً:
طائر ملون
حياته شعر
وشعرهُ حياة
هو... حسين نهابة... الذي لا يقع في مطب شعري, ولا تأخذ موجة من موجات حداثة لغوية مركبة من مفردات دخيلة.
ونبدأ بالسؤال:
هل الشعر فعل ذاتي, أو ناتج عن ما موجود من رغبة في نفس الشاعر, يُراد منها البوح عما تراه العين ويكنزه العقل ليعبر عن الذات؟
هو –الشعر- من شطري السؤال:
ونقول "ان القصيدة فعلاً لغوياً تمارس حضورها النفسي والفكري عبر مساحة لغوية معلومة, فإنها تختزن طاقة محرضة, طاقة تحرض على الفعل وتغري به, طاقة تشير إلى الفعل أو في احيان كثيرة توحي به ايحاء على درجة عالية من التركيز والاصرار والشفافية."(3)
اذاً, "هل ثمة كتابة شعرية ابداعية من دون لغة مبدعة؟ وهل من شعر مبدع إلا وكانت لغة شعرية متميزة تتمظهر في اسلوب يقترن به وينسب اليه؟"(4)
وهنا: الشعر لغة!!
اليس كذالك؟
لكن من اين تأتي هذه اللغة؟
من ثقافة الشاعر ووعيه الفكري؟
او من احتراقه الذاتي والخروج بمفردات لغوية خاصة من قاموسه؟
ورغم ان المفردات اللغوية ذات وعاء واحد, لكن الاختلاف يكون في كيفية اخذ المفردة اللغوية من هذا الوعاء واللعب بها ووضعها في صورة شعرية تشد القارئ. والشاعر المتألق شيد بيته الشعري بصبر وبأساس متين عبر قصيدة النثر، امتلك قاموسه اللغوي وصار بإسمه (حسين نهابة).
لغة هذا الشاعر شفافة لا حشو فيها، ذات موسيقى متصاعدة الايقاع، تدخل بانسيابية , وبحب مسامع وفكر القارئ الذي يكون في وقفة تأمل شعري.
وهو –حسين نهابة- في لغته يعيش في فعل ثوري ابداعي الشعر متعدد الجوانب والاتجاهات الفكرية من اجل سطوع ضوء مشع في دهاليز مظلمة تلف الانسان.
واستطاع ان يمارس ما يجب ان يفعله عبر زمنه الشعري الذي حمل صفة مقاتل الشعر وقتاله في ميدان الابداع في حالة استمرار مع نبضه القلبي ووهج فكره.
بسرعة تستجيب قصيدته للعقل والقلب وبسرعة اكثر العقل والقلب يستجيبان للقصيدة التي تكون الخادم المطيع لهذا السيد الذي يعرف كيف يتعامل مع الاشياء وكيف يكون في مفاصل الوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون مباشرة فجة وشعره لا يمكن ان يكون تابعاً لحالة ترف او رغبة خاصة ممتلئة في ان يقول البعض: هذا هو الشاعر حسين نهابة انما يريد ان يسمع هذه قصيدة حسين الرائعة.
وعلى هذا الاساس اخذ بدقة كل طابوقة شعرية ووضعها في البناء من اجل تشييد بيته الشعري المفتوح الابواب والنوافذ لكل شخص ودون حواجز او مغريات تجذب الداخل.
هو ببساطة متناهية يطرح القصيدة في المكان والزمان المُناسبين وما على القارئ سوى التقاطها والتدقيق فيها ولا ينبغي من اي نتقد ان يمجده دوم حقيقة.
نجد سحر اللغة يمارس فعله على الناقد والشاعر والقارئ العادي، وهذا السحر منح القصائد مكانة متقدمة في قصيدة النثر.
نصوصه عذبة، نابضة بدم نقي لا شوائب فيه، يجري في عروق الشعر مثل الماء الزلال الذي تمتصه شرايين واوردة عطشان.
وفي هذا يكون المتلقي مضطرب الانفاس, واقع في اندهاش لغوي وصوري.
اثبت الشاعر حسين نهابة انه ملتزم بحيوات انسانية, وقد دوّنها بدقة، وفعله هذا من اجل ان تكون قصيدته حية مع الزمن يعيش معها كل قارئ قادم من اجيال قادمة.
والسؤال: هل يمكن القول ان هذا الشاعر وقع تحت سلطة الشعر التي تمتلك القوانين الخاصة بها؟
نعم, لكنه عرف كيف يدافع عن شعره من خلال تبدل قصيدته لوضعية المفردة اللغوية، وتزهو في مكانها الخاص بها ضمن الصورة الشعرية.
نحن في قصائد حسين نهابة نكون في ارض معرفية, بلور حداثتها النثرية الدالة على ان "الشعر فعل مسؤول ضمن الانساق الثقافية البشرية"(5)
**********
لا ابالغ اذا قلت، لا يمكن ان يخلو الشعر –اي شعر- من الشخصية سواء كانت واقعية او تاريخية, اسطورية, ذكورية, انثوية.
وتأتي الشخصية الشعرية مباشرة واضحة تحمل أسمها ودلالتها المعرفية أو مختفية خلف قناع.
والشخصية في شعر حسين نهابة معاصرة حياتية رسمها الشاعر بوعي ومن خلال علاقاته الشخصية وتجاربه. لكن ما يوقفنا هو المرأة/الشخصية الانثوية في هذا الشاعر. المراءة التي كرمها الله عز وجل بآيات من قرآنه الكريم واعطاها مكانة مهمة, خصوصاً المرأة/الأم.
((الأم هي الرمز الانساني للقيم العالية, فهي المعين الذي تتفجر من احضانه الأجيال، وهي الطاقة التي تمد الحياة بعناصر الديمومة والبقاء ولولاها لم تتكون الاسرة ولم تبق المثل والاخلاق السامية، ولولاها لفقدت المجتمعات عناصرها الضرورية في التكون والتكوين, ولآل الوضع الى حال يتعذر علينا تصوره. فهي ينبوع الحب النزيه المجرد من شوائب الانانية والدوافع النفعية وهي التضحية والايثار والحنان النقي اذ تغرس في ابنائها كل السجايا الراقية وتواصل ايامها ولياليها كي تمنحهم الكيان بعون من الله وتوفيقه))(6)
لكن المرأة في شعر حسين نهابة جاءت من امرأة الحب سواء حُب الزوجية, او حبيبة الشباب الذي كان أو حبيبة الوطن.
حبه الشعري ليس من نزوات المراهقة أنما هو مفعم بالمثالية والمواقف العاطفية.
وعالم المرأة جديد في شعره، نقي وبعيد عن الابتذال.
ويبدو ان شاعرنا كان قد احب بصمت او علانية من طرف واحد او من طرفين في مدينته او في بغداد. وربما مدينة من مدن العالم.
حب الماضي والحاضر، لكن الشاعر لم يخاطب الحبيبة بشخصها انما بالروح.
وهو –حسين نهابة- يعرف ان الحبيبة التي خاطبها شعراً، تصغي اليه من بعد عبر ذكريات، وتفخر بين قرارة نفسها كونها كانت الحبيبة.
لكن حبه قد يكون من اقنعة دراميا ويحذر من الوقوع في وجب العادات والتقاليد. خبرة الشاعر الشخصية والتجربة الحياتية هما من ساعدا الشاعر على رسم صورة شعرية مجسدة لألم الحب, وللفرح, وللحزن, للقاء، والفراق.
ونقول ان المرأة –بصورة عامة– الهاجس الذي شغل فكر حسين نهابة طوال مسيرته الابداعية.
وهو أكان يحلم بالمرأة التي تعطيه دفء وحنان وعشق ولذة؟
هو حلم بهذا... وجاء الحلم سمفونية شعر.
**********
ثالثاً
انبثقت قصيدة النشر – مثلاً في باريس منذ عام 1857 وتوهج عصرها بين 1869و1889.
ووثّق قصيدة النثر في عام 1959 كتاب الناقدة سوزان برنار (قصيدة النثر من بودلير حتى ايامنا) عن دار ينزي/باريس.
وتشير بعض الوثائق ان اول من تلقف هذا الكتاب بلغة الاصل هم ادباء/شعراء بيروت, واصبح مصطلح (بيروت قصيدة النثر) منذ نهاية عقد الخمسينيات.
ولكن "لم يفطن شعراء بيروت المتعلمون بالفرنسية وفي مقدمتهم أدونيس وانسي الحاج خصوصاً الى ما يحدث في باريس، سنوات قبل صدور كتاب سوزان برنار، كما لم يكونوا من قبل قد فطنوا الى وجود قصيدة النثر لدى بودلير او السابقين عليه واللاحقين، انهم وهم يكشفون كتاب سوزان برنار كانوا في زمن متأخر عن زمن القصيدة في باريس"(7)
وتشير الدلائل الادبية العراقية الى كتابة قصيدة النثر بدأت في عام 1924 من خلال مراد ميخائيل, لكن الرصافي كان اكثر ابداعاً في هذه المجال، اذ نشر قصائده في مجلة الحرية البغدادية في ذاك الزمن واطلق عليها تسميات الشعر الصامت, الشعر المنثور. كذلك كتب الشاعر الزهاوي قصيدة النثر ورفائيل بطي وغيرهم، ليأتي العقد الستيني ويتألق في هذه اللون الشعري الشاعر حسين مردان وسركون بولص وتمضي قصيدة النثر الى سامي مهدي وحميد سعيد وعلي جعفر العلاق... وحتى هذا الزمن.
ونحن هنا لا نريد الوقوف عند قصيدة النثر العراقية وروادها انما عند قصيدة الشاعر حسين نهابة التي تختلف عن قصائد الآخر.
وعن قصيدة النثر العراقية التي تكتب اليوم, قال حسين نهابة:
( لولا التربة المُترعة بالأذن الموسيقية المُتذوقة، ما انتشرت قصيدة النثر. القارئ يحتاج احياناً ان يخرج من عقال القافية والوزن... يحتاج ان تطرب اذناه بسماع نغمة كلمات هادئة وتميمة قصيدة يجد فيها نفسه، خيبته او فرحته. نحن لا نكتب لنا، بل للقارئ، ونسطر ما يروق له لنشاركه يومه ووجعه ولحظات جذله. اشدّ على يد كل مَن يجد في نفسه الجرأة لكتابة قصيدة او مقطوعة يُذهب بها خيبة الآخرين وحزن عيونهم.)(8)
وعن رأيه في افضل كتاب قصيدة النثر, قال:
(ثمة من الشعراء والشاعرات الشباب مَن لم يُسعفهم الحظ ان يظهروا على شاشات الشهرة. وسائل التواصل الاجتماعي انبجست عن الكثير من المبدعين المغمورين. انا قارئ التهم كل ما يقع تحت يدي، وأقرأ للجميع دون استثناء. يروق لي كثيراً ان اقرأ للشاعر ادونيس، محمد الماغوط، عباس بيضون، وغيرهم. اما على مستوى العراق، فلدي قائمة طويلة من الشعراء المغمورين الذين لو أُتيحت لهم الفرصة لنافسوا الرواد في مسيرتهم الابداعية.)(9)
ونحن نقول "مشكلة قصيدة النثر انها فضاء مفتوح وميدان حر لا محددات فيه ولا شروط واضحة او قوانين متفق عليها حول كتابتها او ادامتها"(10)
"ان قصيدة النثر مجني عليها بسبب ضياع النموذج الجيد منها في خضم الرداءة التي تمثل كماً هائلاً من نماذجها"(11)
ومع هذا "ان قصيدة النثر جاءت بعد مخاض فني عسير, له مبرراته وله ممثلون الحقيقيون الذي عرفوا اسرار هذا الاشتغال الفني الدقيق ودخلوا فضاءاته بحذر ودراسية ووعي لتطور وصيرورة التجربة الشعرية."(12)
ونعود الى الشاعر حسين نهابة وشعره بعد هذا الذي مررنا به, فنقول ان هذا الشاعر يمتلك طاقة شعرية نثرية خلاقة واحتل مكانة رفيعة بين شعراء قصيدة النثر.
نحن امام تجربة شعرية نثرية فريدة منظورة, تجاوزت غيرها بكثير فنياً شعرية حسين نهابة تستفز قارئها بسبب الوعي الذي فيها.
ولم تكن قصيدة سهلة بل هي ولدت من عمل شاق من أجل الابتعاد عن المألوف والمتداول.
لذا من يكتب عن قصيدة هذا الشاعر النثرية سيجد المهمة ليست سهلة وتحتاج الى وعي ومحايدة.
**********
رابعاً
لكل شيء عتبة...
فمثلاً...
الباب عتبة البيت, وعتبة الغرفة...
الستارة عتبة النافذة...
الضفة عتبة النهر...
الغيوم عتبة المطر...
الجوع عتبة الطعام... والعطش عتبة الماء...
القلب عتبة الحب...
وهنا...
العنوان عتبة الكتاب... وعتبة النص/الرواية, القصيدة, مقالة...الخ
العنوان لصيق بالنص وملازم له لا يفارقه كالظل للإنسان رغم ان الظل يختفي في المكان الخالي من الضوء المعتم جداً.
والعنوان هو ليس الظل, انما العتبة التي لا تختفي عن الكتاب، عن النص الواحد وقد عرف النص العربي العنوان باهتمام ايضاً ولعل تسمية مثل (معلقات) "قد تكون اقدم العنوانات بل واقدم تسمية لقصائد عربية وان كانت عنواناً تكرارياً. اذ لازمت مجموعة من القصائد الطوال التي جمعت. اذ فرقت كل معلقة من المعلقات العشر عن الاخريات بإضافة اسم شاعرها "معلقة زهير, معلقة طرقة، معلقة عنترة..."(13)
وقبل التوغل في بعض وظائف العنوان وغير الوظائف، نقف عند قول جميل فيه من بُعد فكري لمحمد بنيس:
"لا توجد نصوص من دون عتبات لكن قد توجد عتبات من دون نصوص, كما في حالة الكتب الضائعة التي لم نعد نعرف سوى عنوانها"(14)
وقال (جان كوهت):
"عنوان الخطاب, يمثل المسند اليه او الموضوع العام وتكون كل الافكار الواردة في الخطاب مسندات له. انه الكل الذي تكون هذه الافكار اجزاءه ولنلاحظ مباشرة ان كل خطاب نثري علميا كان ام ادبيا يتوفر دائما على عنوان، في حين الشعر يقبل الاستغناء عنه على الرغم من اننا ننظر الى اعتبار الكلمات الاولى في العقيدة عنوانا وهذا ليس اهمالاً او تأنقاً. واذا كانت القصيدة تستغني عن العنوان فلأنها كما سترى تفتقر الى تلك الفكرة التركيبية التي يكون العنوان تغييرا عنها"(15)
وان اية قصيدة بلا عنوان مستقل دلالة على قصور الشاعر في اختيار عناوينه ولذلك لجأ الى اخذ بيت شعري عنوانا للقصيدة.
ومن تعاريف العنوان نجد تعريف (لؤي هويك): "انه مجموعة العلامات اللسانية من كلمات وجمل، وحتى نصوص, قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتعينه، تشير لمحتواه الكلي ولتجذب جمهوره المُستهدف"(16)
عنوان بليغ المعنى ومختلف الدلالة عن العنوان الآتي:
"يعرف العنوان انه عقد شعري بين الكاتب والكتابة من جهة وعقد قرائي بينه وبين جمهوره وقرائه من جهة اخرى وعقد تجاري/اشهاري بينه وبين الناشر من جهة اخرى"(17)
واذا كان العنوان بعيد عن الاثارة ولا يجذب القارئ سيكون نقطة ابتعاد القارئ عن الكتاب او النص. وعلى مَن يختار عنوانه لعمله الابداعي يجب ان يكون العنوان واضح ومختلف عن العناوين الاخرى.
وقد اختزل الناقد صالح زامل وظائف العنوان كما يلي: )18)
1. "الوظيفة التعينية: وهي التي تعين اسم الكتاب وتعرف به للقراء بكل دقة وبأقل ما يمكن من احتمالات اللبس".
2. "الوظيفة الوصفية: وهي التي يقول العنوان عن طريقها شيئاً عن النص, وهي الوظيفة المسؤولة عن الانتقادات الموجهة للعنوان".
3. "الوظيفة الايحائية: وتكون اشد ارتباطاً بالوظيفة السابقة، اراد الكاتب ام لم يرد, فهي ككل ملفوظ لها طريقتها في الوجود وهي ليست قصدية دائماً".
4. "الوظيفة الاغرائية: يقدم العنوان اغراء جاذباً لقارئ مُفترض ويحدث تشويقاً وانتظاراً لدى القارئ كما يقول دريدا، فيما يرى جنييت ان هذه الوظيفة مشكوك في نجاعتها, ويتساءل أيكون العنوان سمساراً للكتاب ولا يكون سمساراً لنفسه"؟
**********
ان ما يُلفت النظر الى عناوين الشاعر حسين نهابة –بالنسبة للقصائد– هو اقتصارها على مفردة واحدة او مفردتين لغويتين ونادراً ما نجد اكثر من هذا. وكذلك الحال بالنسبة لعناوين مجموعاته الشعرية اذ تقتصر على مفردتين.
واعتمد هذا على التكثيف الفكري الرافض للإطالة التي لا توقظ القارئ من اجل الاهتمام بالكتاب/او النص. وان هذا القصر العنواني جاء من اجل تقديم المعنى بوضوح ودون لف ودوران يبعد دلالة العنوان عن القارئ.
ويبدو ان هذا الشاعر يمتلك مختبراً خاص بتحاليل العناوين ومن النتائج يأخذ العنوان الذي يريده، من اجل ان يكون العنوان متوازياً مع النص.
ونجد ايضا الغواية من بعض العناوين, والغرابة, وفراغ (نقاط...) وهذا الفراغ قد يكون من اجل القارئ الذي عليه ان يضع مفردة لغوية اخرى وحسب تأويله للنص.
ندون عناوين الشاعر وحسب كل مجموعة شعرية من اجل اعطاء فكرة اوضح للقارئ.
- 6th October 2018 (مشاهدة: 3541)