فجر التعاويذ... قول ما لا يمكن قوله (دراسة نقدية لمجموعة حسين نهابة) - منشد الاسدي
خطت القصيدة النثرية في العشر سنوات الاخيرة خطوات حثيثة في أتجاه المنافسة والاقناع بأنها البديل (المؤقت) عن (العمودي) الذي صار يلملم عباءة كبريائه ويتنحى جانباً, ولازال الكثير من (المتعصبين) للشعر الكلاسيكي يحاولون إزاحة الشرعية من النثر مع ان التراكم الابداعي للنثر يتزايد حقبا بعد حقب, وصار يرى ان الاوان قد آن لعقد صلح للصراع الازلي بين نزعتين متعارضتين والى الوقوف على ما تنتجه الاجيال الجديدة من شعر والمبني كثير منها على شروط الموهبة والتجربة وعدم خروجها عن شروط قصيدة النثر المتعلقة بلغة التعبير وليس بماهيته.
هذه المقدمة (المتواضعة) مرت حروفها أمامي وانا اطالع المجموعة الشعرية (فجر التعاويذ) للشاعر العراقي حسين نهابة المطبوعة في القاهرة. ولهذه المجموعة علاقة بما قلته مسبقاً, فالشاعر فيها يحاول ان يتخلص من التقيد بأوزان الشعر وقوافيه ويكتفي بشعرية الجملة جاعلاً منها أيقاعاً يُشكّل عمودها الفقري لأنه ينبع من داخل النفس ليلامس خلجات القارئ.
في قصائد حسين نهابة تكثيف ورمزية وخيال, فيها اقتصاد لغوي, وتناغم بين الشكل والمضمون, كلمات تلامس ذات ما يشعر به انسان هذا الوطن المُتعدد الحروب والمُتغير الرايات.
ما زلت أحلم بالسلام
وكل الدروب تقود الى الجحيم
سلام لمحته مرة في عيون طفلة تبتسم
مليئة بالألم هذه المفردات من قصيدة ضمن المجموعة حتى الطفلة عند (حسين نهابة) لا تبتسم الاّ مرة واحدة, وليته أستوضح منها سر ابتسامتها!
للحياة غوايتها وانظمتها, الموت يسكن في الحياة والعكس عند المتصوفين صحيح, لا ينفك الشعر ان يكون جزءاً من الوجود الذي له دائما أزمانه واضطراباته, والشاعر قد يكون المحظوظ الوحيد الذي يتنقل كالساحر بعذاباته وآهاته ويجسد كل وجوده داخل أية قصيدة من (أولاده) يجدها الاقرب لمشاركته مخاض هموم الازمنة والايام. أن لغز الانسان لا ينفك الا عند موته, وعندما تكون (الامنيات مسلوخة) كما تعبر عنها (فجر التعاويذ) فأي حضور هذا لوجود مُستبق باليأس, يأس الدروب والامنيات المُوحشة. عند مطالعتنا الاولى لقصائده , ندرك أننا امام قلم يسعى ان يقول كل ما لا يمكن قوله ويتمسك بما هو قيد الغياب لديه, فهو يتوقف عند لحظات مرت لكنها صارت أيقونات لزمن هو زمن (حسين نهابة) ذاته .
يوم كانت الصواريخ تمطر سماء بغداد
أعلاناً عن حرب جديدة
كنت أعد نفسي لموعد غرامي!!
الشاعر قضى شطراً من حياته في (الترجمة) لذا عندما يخوض في قصيدة كأنه يترجمها للعواطف من لغة الحرف الى لغة الجسد الى لغة الفهم والقبول, أنه بيان تداخل المغزى بقلب الشاعر مع ما يحيط من ويلات أعتاد التفاهم معها. أجمل ما في ( فجر التعاويذ ) أن الشاعر يفصح عن خبيئة نفسه ومميزاته وصفاته الشخصية.
كم مرة خانني الدمع وأنا معك
فأهرب منك الى عزلتي
أنه يهرب منها لكنه يعترف بأن الدمع لأنثى لا تُعوض, فهي وحدها تخفف عنه, وحدها تجعله شخصية أكثر تفاؤلاً وأنفتاحاً, قصائده مبنية بكل مهارة, وحروفها مُنتقاة بدقة, التوازن والتداخل بين عناصرها ميزتها الاولى وحتى تسلسل مفرداتها, السلام, الحروب, الصواريخ, المكيدة, الدمع, الوطن, مفردات يجد القارئ أن بينها قاسماً مشتركاً.
قصائد (حسين نهابة) تتناول موضوعات هامة بكلمات قليلة, أبيات حلل فيها عواطفه وانفعالاته وخلجاته, ليس فيها معتقدات متناقضة.
لقد أراد أن يؤثر في المُتلقي وفي ذات الوقت أراد نفي التهمة عن النثر بعدم قدرته التأثيرية بسبب ما وصف أنه غياب للموسيقى.
- 13th May 2018 (مشاهدة: 3018)