عاصفة في الكون... رواية من الخيال العلمي - شكر حاجم الصالحي
بعد إن انهيت قراءة فصلها الأخير "الثاني عشر"، استفزتني مجموعة من الأسئلة بصدد هذه الرواية "عاصفة في الكون" ومؤلفها "كلارك كارادوس" والتي عرّبها عن الاسبانية الشاعر "حسين نهابة". هي وبلاشك من روايات الخيال العلمي الممتعة بإحداثها المتخيلة بمهارة مؤلف محترف لا نعرف شيئا عنه, ولم يفك لنا –نهابة- شفرات غموضه ويكشف لنا عن سيرته التي يفترض ان تكون في متناول القارئ. ولنا ان نسال عن زمن كتابة "عاصفة في الكون" ففي ذلك الكشف الواجب الكثير من موجهات القراءة رغم ان الرواية -وكما تشير وقائعها- إلى أنها منتجة في زمن السفن الفضائية الذي بدأه الروس في سيتينات القرن العشرين، الا ان هذه المعرفة لا تعفي مَن قام بتعريبها من اهمية تقديم ما يحتاجه القارئ وما يود الاطلاع عليه. ان رواية "عاصفة في الكون" تفترض عالماً مُتخيلاً مُنحازاً الى العلم واكتشافاته الحديثة, وهذا يعني اننا ازاء وقائع واحداث لم تحدث في حقيقة الامر, وانما اراد المؤلف ان يزجنا في عالمه المثير الذي تسعى اليه البشرية في تقدمها ونهوضها. فهي مزدحمة بالشخصيات الفاعلة, ساديه كوتنر, بيك دورت, مايسي, مورفيليا, روجوز, الفنار الاحمر, دلينيا, رنكو سبوتين, روانا, كاتهيار, ومواقع اخرى شكلت اضافات للمتن الروائي مثل المحيط الهادي, حامادار, جزيرة دارون. وملخص "عاصفة في الكون" صراع دموي على الثروات:
((اعتقد اننا سوف نحصل على غنيمة جيدة انها تحمل شحنة صغيرة من الماس الناري, اضافة الى ستة ركاب اثرياء جدا وربما معدن الارفونيت. انه معدن غال ونادر))
في فصلها الاول يقدم "كلارك كارادوس" مؤلفاً توصيفاً افتتاحياً لعمله يكشف عما سيدور من احداث لاحقة:
((ليتخذ الجميع اماكنهم استعداداً للهجوم.
كان قائد المركبة الفضائية يجلس في غرفة العمليات, يتأمل الشاشة التي كانت بجانبه تعكس صورة مركبة اخرى, ومن حوله يتحلق أربعة أشخاص أو خمسة يأتمرون بأمره))
اذاً... نحن أزاء صراع مستميت بين الارض ومن فيها وبين "دلينيا" وحاكمتها "ساديه كوتنر", وما عليها. ودلينيا كما يصفها المؤلف: عالم غريب, انها كوكب قطره ثمانون كيلو متراً ذات نواة كثيفة جدا مما يجعلها ذات أهمية تشبه الى حد ما أهمية الارض. وعن سبب تسميتها نقرأ: سُميت باسم دلينيا نسبة الى مكتشفها البروفيسور "ديلين" الذي كان قد ألمح الى الكويكب قبل حوالي قرنين ونصف, وتشتهر بالقمح الدليني... وكما يبدو ان مشكلة سكان هذا الكويكب تنحصر في انهم لا يصنعون الدواء ولا مستلزمات واجهزة الضغط, صحيح ان في دلينيا مياهاً وحبوباً وغابات , ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الانسان, الناس لا تعيش على الخبز فقط. وتتصاعد أحداث الرواية بشكل متسارع, اذ تقترح "ساديه" أرسال "رنكو سبوتين" في مهمة سرية الى الارض ليكتشف ما يدور فيها من مخططات تستهدف وجود دلينيا:
- الامر الوحيد الذي يجب عليك ان تفعله هو المغادرة في مركبة المسافرين القادمة. ستقلع المركبة غداً الساعة الثانية بتوقيت (دلينيا)...
- ......
- اجل. أحدهم يريد (دلينيا)، لكني لا اعرف لماذا. انا يزعجني ان ارى ذات يوم هبوط القطعات الفضائية الارضية مما قد نضطر للخضوع الى احد الولاة.
يمتثل "رنكو سبوتين" الى امر "ساديه" ويغادر في مغامرته التي سيرى فيها العجائب والغرائب والاحداث المُفبركة بمهارة مؤلف الرواية "كلارك كارادوس" الذي ادخلنا كقراء في غابة من الوقائع المتشابكة والممتعة التي امسكت بنا حتى نهاية الرواية. ومن المشاهد المثيرة في الرواية جمال الوصف فيها ودقته:
- لكن ماذا يحدث هنا؟ من هذا المعتوه؟
- لا تشغل بالك – اجابت (روانا) – انهم مجانين يعارضون منذ زمن فجور الاخلاق من خلال الكلام. مدققين يريدون اصلاح العالم يترأسهم اعضاء من جيش النقاء. لا ينقصهم المصلحين ابداً – اضافت بسخرية.
- متعصبون فظيعين. يريدون تطبيق افكارهم من خلال العنف، رغم انهم يضدونها ظاهراً. كان الاجدر ان يتحولوا نحو القراصنة، اليس كذلك؟(الرواية ص61)
وبعد كل هذا المصاعب والدماء التي أًريقت، يعود "رنكو سبوتين" مُكللاً بنجاح مهمته التي اوكلتها اليه "ساديه كورتنر" حاكمة دلينيا، ويعرض كشفاً بما حققه في رحلته الشاقة اذ يقدم في حوار مقتضب صورة واضحة لما انجزه. وها هو يقف بين يدي سيدته ساديه:
- (رنكو)، الم تستطيع الحضور في ساعة اخرى؟ - هتفت – وكذلك برفقة هذه الصبية التي كان من المفروض ان تبقى هويتها سرية...
- عذراً (ساديه). انها الرابعة فجراً، اعرف هذا. لكن لم يكن لديّ وسيلة اخرى سوى المجيء في هذا الوقت غير المناسب.
- انت اخي. تستطيع التردد على محل اقامتي متى ما شئت ليلاً ام نهاراً ولن يمنعك احد. فغرت (روانا) فاه.
- اخوك...
- نعم. اما لقب "كورتنر" فهو عائد الى زوجها المتوفي – اجابها الشاب.
وهكذا يجعلنا "كلارك كارادوس" نعيش اجواء الترقب ومتابعة الاحداث المتناثرة التي قدمها لنا "حسين نهابة" بجهده المُميز وتعريبه لهذا الرواية التي حلّقت بنا في اجواء افتراضية ممتعة. وكانت نهاية "عاصفة في الكون" نهاية سعيدة وجميلة نجح المؤلف في الامساك بلحظة توترها وجمالها:
- وفجأة اطلقت (ساديه) انين خفيف وامسكت بطنها بكلتا يديها.
- يبدو انها حانت...
رفعها (سبوتين) بين ذراعيه.
- هيا الى العيادة – هتف – اذهبي امامي يا (روانا).
شرعت الفتاة تركض. توجه (سبوتين) نحو الباب. وبعد لحظات كانوا في المصعد.
- (روانا)، اخشى ان نُؤجل رحلتنا لبضعة ايام – قال.
ابتسمت الفتاة واجابت:
- (رنكو)، الجزيرة ما تزال هناك في الهادي.
وافقها (سبوتين) باشارة منه.
- ولم تتحرك من مكانها لان الذين ارادوا ان يفعلوا ذلك فشلوا فشلاً ذريعاً.
- بفضلكما انتما الاثنين – قالت (ساديه) وعادت تتأوه.
كانت سيارة الاسعاف بانتظارهم عند الباب حال خروجهم من المصعد وتزاحم بعض الفضوليين عند السيارة.
- لا شيء – قال (سبوتين) – ان سيادتها ستصبح اماً. وهذا يحدث لاية واحدة كما اعتقد.
وبعد ان ترك شقيقته في سيارة الاسعاف التفت نحو (روانا).
- ربما يحدث لك الشيء نفسه ذات يوم.
- انا واثقة من ذلك – اجابت الفتاة مبتسمة.
- 24th February 2018 (مشاهدة: 2710)