إحتجاج - مروة الأسدي

لمْ يكُنْ أبوكَ صيّادًا عاشقًا فحسب،
بلْ كانَ يجيدُ اللعبَ
على فوهاتِ البَنادق.

يبرعُ كثيرًا في سَردِ رجولَتِهِ
ودمهِ،
المَنقوعِ في نهرِ جاسم.

أتساءلُ: كمْ مِنْ ذاهبٍ للحربِ لم يعُد؟
وحتى الذينَ عادوا،
عادوا مِن عدمٍ إلى عدم.

أولئكَ الجُنودُ الذينَ عشِقوا
فتياتِ القُرى،
ومُدللاتِ المُدن،
كيفَ كانتْ تمضي خلواتُ ليلِهم؟
في ضَياعٍ،
ما بينَ خيالٍ وانتظارٍ ورصاصٍ وفُراق.

لطالما كانتْ نصيحةُ الأهالي الأزليةُ للنِّساء:
لا تعشقنَ الجُنود،
مخافةَ موتِهم على حينِ غِرّةٍ مِنْ غياب.

أبوكِ، الذي أنجبَ الفِكرةَ مِنَ الفِكرة،
كانَ يعي جيدًا
بأنَّهُ وإنْ ماتَ، لنْ يمت.
ومِنْ صُلبِ ترائبِهِ خرجَ القلمُ،
يصدحُ بالمجدِ، ويقدحُ بِالظُّلم.

وها أنا لمْ أكنْ أريدُ شيئًا،
كنتُ أريدُ حِياكةَ بَدلَةٍ عسكريةٍ تليقُ بِروحِ شهيد.

فمتهمٌ أنا،
بتحريضِ البِلادِ على البِلاد.

عللْ إذنْ: كيفَ لقلبيَ أنْ يَتبرّأَ
مِنْ وطنٍ، ويتبنى السُّكوتَ في لحظاتِ الكلام؟!

لا أُريدُ الأوسمةَ،
ولا أنواطًا للشَّجاعةِ تتربعُ صدرَ حكاياتي.

أنا هُنا لأتكلم،
لِأقولَ:
لا للدَّم،
لا للظُّلم.

أنا هُنا حُرٌّ مِنْ قُيودِ الصَّامتين.

يفزَعُ قلبي،
كلَّما أذَّنَ مؤذِنٌ باسمِ شهيد.

خذوا الخبرَ السَّعيد:
فلانٌ جاءَ شهيد!

وأمُهُ الثَّكلى، بلا دُموعٍ،
تروي قِصصًا بِنَكهةِ " الدللول".

مُصابٌ بِهلعٍ يغفو بَدلًا مني
على صفائحِ الظُّنون،
كلَّما ساومَ مؤجرٌ زوجةَ شهيد،
وكلَّما نامَ الطِّفلُ بلا أبٍ ذاتَ عشية.

متهمٌ أنا، لأنني لا أجيدُ الزَّندقةَ،
ولا الأكلَ مِنْ ذِراعِ الحرام.

فتذهبُ حميّتي،
وأموتُ وأنا على قيدِ الشَّرف.

الأطفالُ في بلدَتِكَ يَكبرونَ سريعًا.

الآنَ أيقنتُ:
أنَّ للقهرِ يدًا،
وللظُّلمِ يدًا،
وللحِرمانِ يدًا.

أيُّها العراءُ، افتحْ لي بابَكَ،
فأنا على بُعدِ شعرةٍ
مِنَ الهيامِ على وجهِ البَقاء.

هذهِ الأرضُ الدَّمويةُ،
تَعدِمُني كلَّما طالبتُها،
وقلتُ: أنا إنسان.

يا لفُسوقِ النَّوايا،
التي تنشدُ اللّٰهَ،
وتَضرِبُ بمساكينِهِ عرضَ الجِدار.

تُحرِّقُنا الأقاويل،
ويَهدِرُ الدِّماءَ فاقدُ الدَّليل،
وأنا بينَ بينِهم: عابرٌ للسَّبيل.

أستذكرُ الأيامَ حينَما تتحولُ لتجارةٍ.
الأيامُ التي تُقرِّبُ العبادَ لِلّٰهِ زُلفًى،
تأخذُ مِنَ المُرهقينَ فقرًا،
ومن المُعتقينَ بوجعِ الخَصاصةِ نصيبَها المَعهود.

فيكورُ السُّؤالُ ذاتَهُ بذاتِهِ،
باحثًا عنْ جَوابٍ بلا نُقود.

مَنْ يمسحُ خجلَ المَرايا؟
مَنْ يمسحُ دُموعَ الخُدود؟

يا أهلَ مَديَن،
يا أهلَ حِمْيَرَ وثَمود،
يا كُلَّ الأعراب،
هذا سؤالي:
يَطلِبُ جوابًا بلا نُقود.

مروة الأسدي - العراق