احلام الصبا - قصة قصيرة - الكاتب العراقي د. حسين عبد الزهرة الحلي الزبيدي
قصة قصيرة احلام الصبا
محمَّدٌ رجلٌ يبلغ من العمر45 عاماً ويعمل استاذاً جامعياً وغير متزوج بسبب ظروف الدراسة والغربة التي عاشها ايام زمان وفعل الحصار الذي كان مفروضا على الشعب العراقي مما اضطره للسفر خارج العراق , وفي احد ايام وبينما كان في غرفتهِ مرَّت بهِ اجمل موظفة في القسم وسلمت عليه , طلب منها الجلوس فجلست وبدأ يسألها عن حالها واشياء اخرى وطلبت منه كتاباً معيناً على ان تعيده غداً لحاجةٍ لها به , اعطاها الكتاب وغادرت مع ابتسامة ماكرةٍ شيطانية اخذت مأخذها من عقلهِ وقد يكون قلبه , فرح بذلك وظنَّ انها تبتسم له اعجاباً وتصور ان ما كان ينتظره من حبٍ قد حصل واخذ يومه وليله عاملاً الفكر في هذا الحب وهو يقول في نفسه : أَ يعقلُ بعد هذا العمرِ حبٌ يكون وبعد الخريف تطلع الزهور وتخضر الارض أيقظَ فيهِ ربيعَ الشبابِ وشوقَ السنينِ لذاكَ القَمَر وذكَّرَهُ بماضي الغرام يوم احبَّ فتاة كشمس السماء ولكنه تركها بسبب ظروف البلد والحصار اللعين . ذهب الى بيته قضى يومه لا يدري كيف ولم ينم سوى سويعاتٍ من ليله الطويل .
استيقظ في اليوم التالي لأجل ان يلتقي بها كما قالت لتعيد اليه الكتاب أجادَ اللباسَ وصُبغَ الشَعْر الذي بدأ يظهر فيه الشيب وراحَ يُعِدُّ اِقتباسَ الكلام وصوغَ الشِعرِ تحضيرا لها واعدَّ اجمل العبارات وينقلُ ما في الضميرِ لهذا القدر ويشعرُ أنَّ الذي هذا اعتراهُ غرامُ السنينِ وعشقُ العُمر وأفنى زجاجةَ العطرِ في كُمِّه عسى ان يشمُّ الحبيبُ المنتظر هذا العطر , وذهبَ العاشقُ الى مَوعدٍ سَبَقْ وحثَّ الخُطى ليَلقى القَمَر وما عساه يكون من مستقبلِ الايامِ وحاله الذي يبكي الصخر وكعادته جاء مشياً الى محل عملهِ ماراً بالحدائقِ وتخيل انَّ الزهور التي فيها تتراقص فرحاً ,انحنى على زهرةٍ فقطفها وقالَ :
النساءُ تحبُّ الزَهور فعسى وردة من يديكَ تكونُ سبيلاً لنيلِ الرِضا ومشى واثقاً نحوَ اللقاء ولكنْ عجباً ثَقُلَتْ خطواتُهُ فما الذي جرى اذ قال متردداً في الاستمرار :
هلْ ما يجَرى هذا حقٌ أمْ أنَّهُ وَهم وكيفَ إذا كانَ الأمرُ نَسجاً من خيال
هلْ يعودُ وينَسى كلَّ شيء لكنْ الشوقَ للحبيب أجبرَهُ نحوَ المسير وبين خطوة للأمام واخريين للخلف وَصَلَ الى مكانِ اللقاءِ المرتقب وجلس في غرفته ينتظر قدوم المحبوبة؟؟ .
بعد فترةٍ حسبها كطول الدهر عليه مرت واخيراً جاءت كأجمل ما يكون وبالحلاوة تزدهي وعندها جمد المسكين في مكانه وحار حراكاً لا يدري ما يقول وبعد لحظة استرجع قواه وأسهَبَ في وَصفِ الشعورِ وتَمنَّى الهَوى دوماً يَكُونُ حليفَ القلبِ ومِلأَ العيون واستمر يصول ويجول بأشعاره وكلمات الحبِّ والغزل , طربت لسماع الغزل وضحكت في داخلها وأصْغَتْ الحلوةُ لعذابِ الحَنِين وسِحرَ الكَلامِ وما يُبدِيهِ مِنْ أَنينْ لكنَّها ضَحِكَتْ مِلأَ الفَمِ من كلامه ومما تصور من حبها له وقالتْ : آهٍ أيُّها المِسكين أنَا لمْ أقصِد بِعذابِ الحبِّ تَكْتَوِي , آسفةٌ أنا لمْ تَكُنْ لكَ تِلكَ ابتِساماتي لكنَّني مِنْ فَرَحي دائمةُ الابتسامِ فأنا دوماً أعشقُ الحياةَ وأزرعُ الحبَّ في كلِّ البَشَر, ولقد تفاجأت به وخرجت من الغرفة بعد ان اعادت له الكتاب , فجأةَ واذا بهِ يَصحُوْ منْ نومِهِ واذا بِهِ مَنامٌ منْ مَناماتِهِ وانَّ ما حدث كان مجرد اضغاث احلام , شَكَرَ أللهِ أنَّها كانتْ منامات وإنَّ الصبحُ أزالَ ما كانَ وما فاتْ .
جلس في سريره وعادَ لطبعهِ وشرب قدحاً من الماء وأشعلَ سِكارتَهُ وبدأ يجرُّ الحسرةَ ويَسرَحُ في الخيالاتِ فقد كان في مَاضي الزمنِ هذهِ هيَ الأُمنيات ولكنه الان منهك من تعب السنين وغدر الليالي ومشغول بأحواله , عاد الى جامعته وطلبته ومضت الايام ولم يحصل شيء ولكنه لاحظ ان تلك الفتاة ترقبه من بعيد ويوما بعد يوم كانت تمرُّ صباحاً امام غرفته وتسلم عليه ثم تذهب الى غرفتها , لم يُعِرْ لها اهتماماً ولكنها كانت هي التي تتمادى في تصرفاتها للتقرب منه , ولكنه تصور ان الامور اعتيادية وانه يتخيل اشياءاً لا وجود لها على ارض الواقع .وفي يوم من الايام جاءته تمشي على استحياء وقدمت له كوباً من الشاي وقطعة معجنات , تعجب من ذلك وحار ماذا يقول ؟ ولكن وفي لحظة من الشجاعة تجرأ وقال لها : تفضلي بالجلوس ؟ لم تسمح له بإكمال الكلام جلست بسرعة وكأنها تنتظر هذه اللحظة والمناسبة لتتقرب منه وبدأ يسألها وهي تجيب , سألها عن كلِّ شيء وهي تبدو فرحة مسرورة باللقاء الذي خططت له جيداً.
تكرر حضورها الى مكتبه يومياً وتعمقت العلاقة بينهما وفي يوم من ايام ذلك الزمن وصباحٍ جميل قرر ان يسألها سؤالاً وبدون تردد عن صفات الزوج الذي تتمناه لها .لم تُحِر كثيراً ولم تترد في الاجابة وقالت : ان المهم ان يرتاح له قلبي وفقط .
اجابها بعد ان استجمع كل شجاعته : وهل انا ممن يرتاح له قلبك ؟ احمرَّ وجهها خجلاً وتسربت من الغرفة كحية ملساء منسحبة بهدوء وابتسامة رائعة لم ير مثلها ابداً ففهم انَّها موافقة عليه .
وبعد عام كانا في بيت واحدٍ يجمعهما الحب مع ابنتهما الجميلة روز.
- 4th February 2019 (مشاهدة: 2364)