غرام الربيعي... بين القافية واللون - منشد الاسدي
هنالك في داخل كل شاعر صراع من نوع خاص, ربما يختلف عن غيره من الصراعات التي لا أسلحة فيها ولا دماء, صراع يفرز قصائد قادرة ان تشكل جيوشا حينما يجمع الكثير ان الكلمة هي احد من السيف, انها الخلجات التي تستنطق الصمت, وقد يتطور الصراع داخل الشاعر ليكون أشبه بالعجينة ذات الصلصال يكون للشاعر القدرة على ان لا يختزلها بالأحرف والقافية وغيرها من أدواته الابداعية, بل قد يبني صراع الشاعر بداخله أساسا فلسفيا يجعله ذا قدرة جنونية على ان ينطق الابداع منه أينما حل وحيثما وضع يده, ولان القافية واللون هما شعر صامت (كما يعبر أصحاب المدارس التشكيلية) سندرك مكمن تلاقح الابداع عند الشاعرة العراقية والفنانة التشكيلية (غرام الربيعي) .
أن احدى أهم علامات المنجز الثقافي العراقي أنه منجز ثقافي وفني في ان واحد, وجدلية هذا الالتصاق لم يستطع للان ان يفك رموزها الا القلة ممن حاول وربما نجح في ذلك من دخلوا للأحاسيس الداخلية للفنان او الشاعر من خلال الفلسفة التحليلية, ودائما أجدني مضطرا للقول أن من يقرأ مدرسة التحليل التي جاء بها (فرويد) سيتمكن من الغوص بيسر في جوهر الابداع لهذا الفنان أو ذلك الشاعر ..
ربما لم تهتم غرام الربيعي بتحديث تجربتها التشكيلية بقدر الاهتمام بالتحديث الشعري, وهي بذلك وضعت نفسها في دائرة (أتهام) دائم عن انها امرأة لا تريد ان تعطي لنفسها أو حتى للأخرين المتابعين لها (هوية) حقيقية عن هذه النفس, لا هوية فنية ولا أدبية, ربما يستهوي ذلك غرام الربيعي, ربما وجدت ان من العذوبة صعوبة الفصل بين القافية واللون, بين الوزن والخط .
أن أجمل ما في غرام الربيعي الرسامة الشاعرة أنها لم تتجه لهذه الناحية أو تلك من فنها وادبها لتمنحها (قدسية) على حساب الاخرى, بل تركت (للزمن) الذي تعترف هي به في اكثر من سطر ان يقف عند واحدة من أساليب الابداع هذه, الابداع عند غرام الربيعي لا يمكن ان يحسم بالشعر وحده والكلمات, وايضا لا يمكنه ذلك باللون والتشكيل, واجزم أنا ان هذه الفنانة حاولت تفكيك هذه الجدلية لكنها لم تستطع او كما قلت سلفا لم يستهوها ذلك, ان العلاقة بين الفن والادب ربما تكون بحاجة (لمدرسة) جديدة كي تكون الرؤية فيها أوضح, غير ان صعوبة أيجاد أبجديات هذه المدرسة تكمن في قلة عدد من يجتمع لديهم المنجز الادبي والفني على حد سواء ويصل الى مستوى الابداع المعترف به أيضاً.
فغرام الربيعي نفسها لا تعترف بمبدأ ( الازاحة ) لمنجز دون أخر, وعلى هذا يكون من المسلمات لدينا ان نتناولها دائما كشاعرة, او كفنانة تشكيلية لها رقم داخل الحركة الفنية في العراق, ان محاولة الابداع في أكثر من جانب ربما تكون ( سلاحا ) ذو حدين, فهي قد تقود للتشتيت أو قد تكون سببا في خمول هذا النشاط على حساب هذا, الا ان الحضور الفني لهذه الفنانة التشكيلية وما تلاه قبل ايام من حضور مميز في مهرجان المربد الشعري في البصرة جعل من الصح الاعتقاد ان ابداع غرام الربيعي موزع لديها كل بنسبته التي اختارتها هي له, انها فنانة ترفض الاستقلالية الفنية او الادبية بشكل منفصل عن الاخر, وسيأتي المستقبل حتما ليؤكد بالسلب او الايجاب, فقد يطيح الفن بالأدب عند غرام الربيعي, او قد يكون الشعر سببا في تطور التحديث الذي تنشده هي والذي صار احد انواع التحديثات التي يتطلبها العصر الحديث.
- 20th February 2018 (مشاهدة: 1924)